صرير الحشرات!

 

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيد المرسلين.

أما بعد،،،

مما لا شك فيه بأن الملائكة حين تسرعت بالحكم على خلق آدم عليه السلام قائلةً للرحمن عز وجل ” أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء” كانت حاضرة على فساد الشياطين في الأرض وشاهدة عليهم حين كانوا يسفكون الدماء- قبل خلق آدم- مما ترتب في مخيلتهم بأن المخلوق الذي سيخلف الشياطين سيقوم بنفس الفعل!

نعم، كان إحساس الملائكة صحيح؛ ولكن ليس على جميع بني البشر ولا ينطبق هذا الإحساس على من تبع هدي الله و رسالة أنبيائه، فما نشهده اليوم من شياطين الإنس التي تفسد في الأرض و تسعى جاهدة لسفك الدماء بدون وجه حق، يذكرنا بحديث الملائكة من خالق الكون وخالقهم.

كان هناك منزل يسكنه أب و أبنائه بهدوء و سلام، بلا ضرر ولا ضرار، كان الأب مجتهداً حكيماً، وقام بتشييد هذا المنزل بعرق جبينه وهو الذي وضع اللبنة الأولى لهذا المنزل، فأسسه على الحب و الوئام وعلى الاتحاد وجمع شمل العائلة في منزل واحد، وقبل أن يغادرهم زرع فيهم قوة العزم ونشر بينهم الرقي، علمهم وداواهم و ألبسهم الصوف ليقي أجسادهم برد الشتاء، وغطى رؤوسهم من شمس الهجير، سكب لهم اللبن في آواني الصفير، كساهم بالاستبرق و الحرير، فأصبح أبنائه يفدونه بروحهم و دمائهم، لا يقبلون بأن يأتي من يأتي ويتحدث باسمه بغير لا يرتضون، وبعدها ذهب عنهم تاركاً فيهم الحكمة التي زرعها في أبناءه، و القواعد المتينة ليستمروا علي نهجه السليم، تولى محله أبنه الكبير ليكمل مسيرة الأب و القائد و المعلم، فوقف أمام باقي الأبناء مبتسماً لينصت لطلباتهم ساعياً في تحقيقها، فبحث عن استحداث الجديد فلم يجد قديم، وقام باستكمال مسيرة والده.

أصبح القائد الجديد لهذا البيت، و أصبح الجميع يشم رائحة والده فيه، حتى بايعوه بالولاء المطلق على طول الخط وبدون أي شرط أو قيد، تعبيراً عن حبهم له و أصبحت عصارة قلوبهم تقطر اسمه و اسم البيت، فمرت السنين وسكن الليل، فخلد الجميع إلى النوم ولا ترى منهم سوى النائم بهدوء و القائم بخشوع، و الليل يتأمل بضوء القمر.

وفجأة! ظهرت حشرات من ثقوب الجدران و فتحات المجارير في هذا المنزل، تصدر أصواتاً مزعجةً، ممزوجة ما بين النعيق و الزعيق، فأزعجت النائم و شوشرت على القائم، فأنزعج أهل المنزل فخرجوا ليستقصوا هذا الصوت وما مصدره، فوجدوا مجموعة حشرات، تصدر أصوات لا شأن لها بالواقع، هدفها العبث بصفو أبناء المنزل، طموحها توسعة مجاريرها، فهاج عليها الأبناء ليهموا بهم قاصدين وطئهم وسحقهم بالأقدام، عندها نهض والدهم وتصدى لهم، مذكراً أياهم بأن مكان في الدرجة العاشرة عاراً عليه ينزل لحشرة في الدرك الأسفل، فحثهم بالتحلي بحسن الخلق و التصرف بحكمة؛ لأن الموضوع متعلق بالحشرات ولكل ضرر له مضاد، فقام باستخدام المبيد الحشري لإزالة الضرر!

فجاءهم من يمثله في المقام و الاحترام، مطمئنا أياهم قائلاً ” لا تقلقوا فالبيت متوحد” فعاود جميع الأبناء أدراجه ليخلد للنوم، حينها خرجت بعض الحشرات من المنازل المجاورة، تندد بأصوات واهية مزعجة تعبيراً عن عدم رضائهم بما حصل لأصدقائهم وبني عشيرتهم غاضبين على استخدام المبيد الحشري، وتجاهلوا بأن المبيد الحشري هو المركب التقليدي المتعارف عليه لإبادة الحشرات، وهم متمسكين بالأدوات القديمة لإبادة الحشرات و القصد هنا ” الزنوبة”

حاول الأبناء ردع الحشرات الخارجة من المنازل المجاورة، فحثهم والدهم بالتحلي بالصبر و استخدام الحكمة، وعدم التطرق للسلوك المذموم، فسكت الأبناء حتى زاد تمرد الحشرات، فتعالت أصواتهم حتى أن أصبح من الصعب أن يفرق ما بين صريرهم من نعيقهم.

بعدها أشرقت الشمس على هذه الحشرات و كشف النور مخابئهم و ظهرت ثقوب منافذهم، فهلك الجميع و أصبحت هذه الحشرات منتشرة في البقاع لا فائدة منها ولا تقوى على الحراك في ضوء الشمس، فرفع الأبناء كفوفهم الطاهرة إلى السماء في دعاءٍ ونداء، طالبين الرحمن الغيث من السماء، ليمطر عليهم لينظف الأرض من أشلاء الحشرات المحروقة بين أزقة الممرات.

وفي نهاية قصتي مع الحشرات وصريرها المزعج، أسأل الله أن يديم الأمن و الأمان و الهدوء و راحة البال، لأبناء هذا البيت في ظل والدهم الحنون.

 

بقلمي المونت بلانك / سعيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.